الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب ***
على أنّه ضرورة، والقياس أظلمنا. وهو قطعة من رجز رواه أبو علي في إيضاح الشعر عن أحمد بن يحيى الشهير بثعلب، وهو: يا ربّ موسى أظلمي وأظلمه *** فاصبب عليه ملكاً لا يرحمه قال: معناه أظلمنا، كقوله: أخزى الله الكاذب منّي ومنه، أي: منّا فالمعنى أظلمنا فاصبب عليه. وهذا يدلّ على جواز ارتفاع زيد بالابتداء، في نحو زيد فاضربه، إن جعلت الفاء زائدة على ما يراه أبو الحسن. فإن قلت: أضمر المبتدأ كما أضمرت في قولك: خولان فانكح فتاتهم ، فإن ذلك لا يسهل؛ لأنّه للمتكلم، فكما لا يتّجه: هذا أنا، على إرادة إشارة المتكلم إلأى نفسه من غير أن ينزله منزلة الغائب، كذلك لا يحسن إضمار هذا هنا. فإن قلت: إن أظلمنا على لفظ الغيبة، فليس مثل هذا أنا، فإنه وإن كان كذلك فالمراد به بعض المتكلمين، ولا يمنع ذلك، ألا ترى أنهم قالوا يا تميم كلّهم، فحملوه على الغيبة لما كان اللفظ له وإن كان المراد به المخاطب. وإن جعلت المضمر في علمك، كأنك قلت قد أظلمنا في عهلمك، كان مستقيماً. انتهى. ورواه ابن عقيل في شرح التسهيل هكذا: سلّط عليه ملكاً لا يرحمه وربّ منادى مضاف إلى موسى، وضمير أظلمه الغائب راجع إلى موسى هذا، وهو خصم صاحب هذا الرجز. وكلام أبي علي مبنيّ على رفع أظلمي واظلمه بالابتداء والخبر الجملة الدهائية؛ ويجوز نصبهما على الاشتغال. وأنشد بعده: وهو الطويل فهل لكم فيها إليّ فإنّني *** طبيب بما أعيا النّطاسيّ حذيما على أن فيه حذف مضاف، أي: ابن حذيم، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، لأنه علم أنه العالم بالطبّ والمشهور به، لا حذيم، فإنّه ورد في الأمثال: أطبّ من ابن حذيم . قال الزمخشريّ في المستقصى: هو رجلٌ كان من أطباء العرب. وأنشد هذا البيت وقال: أراد ابن حذيم. انتهى. قال أبو الندى: ابن حذيم رجلٌ من تيم الرّباب، كان أطبّ العرب، وكان أطبّ من الحارث بن كلدة. وأورد صاحب الكشاف هذا البيت عند قوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن على أنّ التسمية واقعةٌ على المضاف والمضاف إليه جميعاً. وأمّا ما يرد من نحو قوله عليه الصلاة والسلام: من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له وتقدّم من ذنبه فهو من باب الحذف لا من الإلباس، كما حذف الشاعر ابن من ابن حذيم. وقد خالف كلامه هنا في المفصّل فإنه قال فيه: إذا أمنوا الإلباس حذفوا المضاف. وقد جاء اللّبس في الشعر، قال ذو الرّمّة: الطويل عشيّة فرّ الحارثيّون بعدم *** قضى نحبه في ملتقى القوم هوير وقال: بما أعيا النّطاسيّ حذيما أي: ابن هوبر وابن حذيم. وهو في قوله هذا تابعٌ لأبي علي في إيضاح الشعر فإنه قال: قد جاء في الشعر أبياتٌ فيها حذف مضاف مع أنّه يؤديّ حذفه إلى الإلباس، مثل بما ذكر، وبقوله: الكامل أرضٌ تخيّرها لطيب مقليه *** كعب بن مامة وابن أمّ داود هو أبو الشاعر، واسمه جارية، والتقدير ابن أمّ أبي داود، فحذف الأب. والصواب ما في الكشّاف من أنّه لا إلباس فيه؛ فإنّ الإلباس وعدمه إنّما يكون بالنسبة إلأى المخاطب الذي يلقي المتكلّم كلامه إليه، لا بالنسبة إلى أمثالنا، فإنه وإن كان عندنا من قبيل الإلباس، مفهومٌ واضح عند المخاطب به في ذلك العصر. ويؤيّد ما ذكرنا قول ابن جنّي في الخصائص: ألا ترى أنّ الشاعر لما فهم عنه ما أراد بقوله، قال الشاعر يصف إبل: الرجز صبّحن من كاظمة الخصّ الخرب *** يحملن عبّاس بن عبد المطّلب وإنّما أراد عبد الله بن عبّاس. ولو يكن على الثقة بفهم ذلك، لم يجد بدّاً من البيان. وعلى ذلك قول الآخر: طبيبٌ بمتا أعيا النّطاسيّ حذيما أراد: ابن حذيم. انتهى. زحذف الصلتان العبديّ أكثر من هذا في محاكمته بين جرير والفرزدق في قوله: الطويل أرى الخطفى بذّ الفرزدق شعره ولكنّ خيراً من كلابٍ مجاشع فإنه أراد: أرى جرير بن عطيّة بن الخطفى. وجاز هذا لكونه معلوماً عند المخاطب. وقد أنكر الخوارزميّ كون هذا من باب الحذف، قال: إنّما هو من باب تعدّي اللقب من الأب إلى الابن، كما في قوله: الطويل كراجي النّدى والعرف عند المذلّق أي: ابن المذلّق. هذا وقد قال يعقوب بن السكّيت في شرح هذا البيت من ديوان أوس بن حجر: حذيم رجلٌ من تيم الرّباب، وكان متطّبباً عالماً. هذا كلامه؛ فعنده أنّ الطبيب هو حذيم لا ابن حذيم. وتبعه على هذا صاحب القاموس، فلا حذف فيه ولا شاهد على ما ذكر. وحذيم ، بكسر الحاء المهملة وسكون الذال المعجمة بعدها ياء تحتيّة آخر الحروف. وذها البيت من أبيات لأوس بن حجر قالها لبني الحارث بن سدوس بن شيبان، وهم أهل القرية باليمامة، حيث اقتسموا معزاه. وقيل اقتسمها بنو حنيفة وبنو سحيم، وكان أوس بن حجر أغرى عليهم عمرو بن المنذر بن ماء السماء، ثم جاور فيهم فاقتسموه معزاه. وهذا مطلعها: فإن يأتكم منّي هجاءٌ فإنّم *** حباكم به منّي جميل بن أرقما ثم بعد أربعة أبيات: فهل لكم فيها إليّ فإنّني ***............ البيت فأخرجكم من ثوب شمطاء عاركٍ *** مشهّرةٍ بلّت أسافله دما ولو كان جارٌ منكم في عشيرتي *** إذاً لرأوا للجار حقّاً ومحرما ولو كان حولي من تميم عصابةٌ *** لما كان مالي فيكم متقسّما ألا تتقون الله إذ تعلفونه *** رضيخ النّوى والعضّ حولاً مجرّما وأعجبكم فيها أغرّ مسهّرٌ *** تلادٌ إذ نام الرّبيض تغمغما وهذا آخر الأبيات. قوله: فإنّما حباكم الخ ، حباكم به أي: وصلكم بالهجاء. وقوله: فهل لكم فيها الخ ، قال المفضّل بن سلمة في الفاخر وابن الأنباريّ في الزاهر: الطبّ: الفطنة والحذق، ومنه سمّي الطبيب لعلمه وحذقه. وأنشد هذا البيت. وروى ابن السكّيت: فإنّني بصير بدل طبيب. والبصير: العلم، وقد بصر بالضم بصارة، والتبصّر: التأمّل والتعرّف. وأعياه الشيء نتعدّي عييت بأمري إذا لم تهتد لوجهه. والنّطاسيّ مفعوله، وحذيم بدل من النطاسي. وفاعل أعيا ضمير ما الموصولة الواقعة على الداء. أي: إنّني طبيبٌ حاذق بالداء الذي أعجز الأطباء في مداواته وعلاجه. والنّطاسيّ ، بكسر النون، قال ابن السكيت: العالم الشديد النظر في الأمور. قال أبو عبيد: ويروى: النّطاسيّ بفتح النون. قال الجوهريّ: التنطّس المبالغة في التطّهر، وكلّ من أدقّ النظر في الأمور واستقصى علمها فهو متنطّس. ومنه قيل للمتطّبب نطّيس كفسيق، ونطاسيّ بكسر النون وفتحها. وقوله: فهل لكم بضمّ الميم، وهو خبر مبتدأ محذوف، أي: هل لكم ميل. وقوله: فيها الضمير للمعزى. وفيه حذف مضاف أي: فهل لكم ميلٌ في ردّ المعزى إليّ. وقوله: فأخرجكم من ثوب شمطاء الخ ، الشمطاء: المرأة التي في رأسها شمط - بالتحريك - وهو بياض شعر الرأس يخالطه سواد، والرجل أشمط. والعارك: الحائض. ومشّهرة: اسم مفعول من شهّرته تشهيراً، والشهّرة: وضوح الأمر، يقول: هل لكم في ردّ معزاي فأخرجكم من سبّةٍ شنعاء تلطخ أعراضكم وتدنّسها كما تدنس الحائض ثوبها بالدم، فأغسلها عنكم. وهذا مثلٌ ضربه. وقد خبط جميع من تكلم على هذا الشاهد حيث لم ير السّياق والسّباق، فقال شارح شواهد التفسيرين: المعنى هل لكم علمٌ بحالي منكم، فإنّني بصيرٌ بما أعجز الطبيب المشهور. وقال المظفّري في شرح المفصّل: أي هل لكم طريقٌ في مداواة ما بي، فإنّي أرى من الداء ما أعيا الطبيب عن مداواته. وقد قارب بعض فضلاء العجم في شرح أبيات المفصّل بقوله: والمعنى هل لكم في هذه الحادثة حاجةٌ إليّ لأشفيكم برأي فيها، فإنّني طبيبٌ عالم بالذي عجز عنه هذا الحاذق العالم بالطب ولم يهتد إليه. وقوله: ألآ تتقون الله الخ ، يقول: لولا أنّك سرقتها لأيّ شيء تعلفها؟ يقول: فردّها ولا تعلفها. والرضيح ، بالضاد والخاء المعجمتين: المدقوق، رضحت الحصا والنوى كسّرته. والعضّ ، بضم العين المهملة وتشديد الضاد المعجمة، قال ابن السكيت: هو القتّ، وقال الجوهريّ: علف أهل الأمصار مثل الكسب والنّوى المرضوح. والمجرّم ، بالجيم على وزن اسم المفعول: التام والكامل. وقوله: وأعجبكم فيها أغرّ الخ ، قال ابن السكيت؛ الأغرّ: الأبيض. والتلاد: القديم من المال. والرّبيض هاهنا الغنم. وقوله: تغمغما ، يعني هذا الأغر، والغمغمة هبابه، أي: لا ينام، وإنّما يعرّض بهم ويفتري عليهم. انتهى. تتمة قال ابن الأثير في المرصّع: ابن حذيم شاعر في قديم الدهر، يقال إنّه كان طبيباً حاذقاً، يضرب به المثل في الطبّ فيقال: أطبّ بالكيّ من ابن حذيم ، وسمّاه أوسٌ حذيماً - يعني أنّه حذف لفظ ابن - فقال: عليمٌ بما أعيا النطاسيّ حذيماً ويقال ابن حذام أيضاً، وإنّه أوّل من بكى من الشعراء في الديار، وهو الذي سمّاه امرؤ القيس في قوله: الكامل عوجا على الطّلل المحيل لعلّن *** نبكي الدّيار كما بكى ابن حذام وابن خذام بالخاء المعجمة أشهر، وقيل هما اثنان. وقال في الخاء المعجمة: ابن خذام هو المذكور في حرف الحاء على اختلاف الروايتين، فمنهم من جعله إيّاه ومنهم من جعلهمااثنين. ويقال: إن هذا البيت الذي في قصيدة امرئ القيس له، وهو: الطويل كأنّي غداة البين حين تحمّلو *** لدى سمرات الحيّ ناقف حنظل ويقال: للخمّار ابن خذام. وخذام من أسماء الخمر. هذا كلامه. أقول: جميع من ذكر ابن حذام الشاعر، لم يقل إنه هو ابن حذيم الطبيب. وقد اختلف في ضبط اسمه فالذي رواه الآمدي ابن خذام بمعجمتين، قال: من يقال له ابن خذام، منهم ابن خذام الذي ذكره امرؤ القيس في شعره، وهو أحد من بكى الديار قبل امرئ القيس، ودرس شعره. قال امرؤ القيس: عوجا على الطّلل المحيل لأنّن *** نبكي الدّيار كما بكة ابن خذام قوله: لأنّنا ، يريد لعلّنا، ذكر ذلك أبو عبيدة وقال: قال لنا أبو الوثيق مّمن ابن خذام؟ فقلنا: ما نعرفه. فقال: رجوت أن يكن علمه بالأمصار، فقلنا: ما سمعنا به!؟؟؟؟ فقال: بلى قد ذكره امرؤ القيس وبكى على الديار قبله، فقال: كأنّي غداة البين يوم تحمّلو ***......... البيت! انتهى وقال ابن رشيق في العمدة: الذي أعرف أن ابن خذام بذال معجمة وحاء غير معجمة كما روى الجاحظ وغيره. انتهى. وضبطه بعضهم ابن حمام، بحاء مهملو مضمومة بعدها ميم غير مشدّدة، واسمه امرؤ القيس. قال الآمدي - عند ذكر المسمّين بامرئ القيس - ومنهم امرؤ القيس بن حمام، ثم ذكر نسبه وقال: والذي أدركه الرواة من شعره قليل جداً. وكان امرؤ القيس هارباً فقال مهلهل: الكامل لما توغّل في الكراع هجينهم *** هلهلت أثأر جابر وصنبلا في قصّة مذكورة في أخبار زهير بن جناب. وبهذا البيت قيل لمهلهل مهلهل. وبعض الرواة يروي بيت امرئ القيس بن حجر: عوجا على الطّلل المحيل لعلّن *** نبكي الدّيار كما بكى ابن حمام يعني امرأ القيس هذا، ويروي ابن خذام. انتهى. ومثله للعسكريّ في كتاب التصحيف قال: ومنهم امرؤ القيس بن حمام ابن عبيدة بن هبل بن أخي زهير بن جناب بن هبل. ويزعم بعضهم أنّه الذي عنى امرؤ القيس بقوله: نبكي الديار كما بكى ابن خذام وكان يغزو مع مهلهل، وإياه أراد مهلهلٌ بقوله: لما توغّل في الكلاب هجينهم ***.......... البيت فالهجين هو امرؤ القيس بن حمام. وجابر وصنبل: رجلان من بني تغلب. انتهى. قال ابن رشيق في العمدة: ويروى: لّما توفّل في الكراع شريدهم قال السكريّ: يعني بالهجين امرأ القيس بن حمام، وكان مهلهل تبعه يوم الكلاب ففاته ابن حمام بعد أن تناوله مهلهلٌ بالرمح، وكان ابن حمام أغار على بني تغلب مع زهير بن جناب فقتل جابراً وصنبلاً. هذا ما اطلعت عليه. وقول امرئ القيس بن حجر: عوجا على الطّلل المحيل، البيت هو من قصيدة له، استشهد به صاحب الكشّاف عند قوله تعالى: {وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون بفتح الهمزة في قراءة أهل المدينة بمعنى لعلّ، كما أنّ لأنّنا في البيت بمعنى لعلّنا. قال ابن رشيق في الهمدة: يروى في البيت لأنّنا بمعنى لعلّنا؛ وهي لغة امرئ القيس فيما زعم بعض المؤلفين، والذي كنت أعرف: لعنّنا بالعين ونونين. والمحيل: الذي أتى عليه الحول. وعوجا أمر من عجت البعير أعوجه عوجاً ومعاجاً: إذا عطفت رأسه بالزمام. وأوس بن حجر بفتح الحاء المهملة والجيم، شاعر من شعراء تميم في الجاهلية. وفي أسماء نسبه اختلاف، فلذا تركنا نسبه. قال ابن قتيبة في كتاب الشعراء: كان أوسٌ فحل مضر حتّى نشأ النابغة وزهيرٌ فأحملاه. وقيل لعمرو بن معاذٍ، وكان بصيراً بالشعر: من أشعر الناس؟ فقال: أوس؛ قيل: ثم من؟ قال: أبو ذؤيب. وكان أوسٌ عاقلاً في شعره، كثير الوصف لمكارم الأخلاق؛ وهو من اوصفهم للحمير والسلاح زلا سيّما للقوس، وسبق إلى دقيق المعاني، وإلى أمثال كثيرة . انتهى. وقال صاحب الأغاني: كان أوس هذا من شعراء الجاهلية وفحولها، وكر أبو عبيدة أنه من الطبقة الثالثة، وقرنه بالحطيئة والنابغة الجعدي. وتميم تقدم أوساً على سائر شعراء العرب. وقال الأصمعيّ: أوسٌ أشعر من زهير إلاّ أنّ النابغة طأطأ منه. وقال أبو عبيدة: كان أوس غزلاً مغرماً بالنساء، فخرج في سفر، حتّى إذا كان بأرض بني أسد بين شرج وناظرة، فبينما هو يسير ظلاماً إذ جالت به ناقته فصرعته، فاندقّت فخذه، فبات مكانه، وما زال يقاسي كلّ عظيم بالليل، ويستغيث فلا يغاث، حتّى إذا أصبح إذا جواري الحيّ يجتنبن الكمأة وغيرها من نبات الأرض، والناسي في ربيع: فبيناهنّ كذلك إذ بصرن بناقته تجول وقد علق زمامها بشجرة، وأبصرنه ملقىً ففرغن منه فهربن، فدعا جاريةً منهنّ فقال لها: من أنت؟ قالت: أنا حليمة بنت فضالة بن كلدة. وكانت أصغرهنّ فأعطاها حجراً وقال: اذهبي إلى أبيك فقولي له: ابن هذا يقرئك السلام ويقول لك: أدركني فإنّي في حالة عظيمة! فأتت أباها وقصّت عليه القصّة وأعطته الحجر، فقال: يا بنية لقد أتيت أباك بمدح طويل وهجاء طويل. ثمّ احتمل هو وأهله إلى الموضع الذي فيه أوسٌ وسأله عن حاله فأخبره الخبر، فأتاه بمن جبر كسره، ولم يزل مقيماً عنده وبنته تخدمه إلى أن برأ، فمدحه أوس بقصائد عديدة، ورثاه أيضاً بعد موته. وكان أوسٌ إذا جلس في مجلس قومه قال: ما لأحد عليّ منّه أعظم من منّه أبي دليجة. وكان أبو دليجة كنية فضالة بن كلدة. وكلدة، بفتح الكاف واللام، وهي في اللغة الأرض الغليظة. وذكره ابن قتيبة في باب الأسماء المنقولة من أدب الكاتب . ومن شعر أوس قوله: الطويل يا راكباً إمّا عرضت فبلّغن *** يزيد بن عبد الله ما أنا قائل بآيه أنّي لم أخنك وإنّه *** سوى الحقّ مهما ينطق النّاس باطل فقومك لا تجهل عليهم ولا تكن *** لهم هرشاً تغتابهم وتقاتل وما ينهض البازي بغير جناحه *** ولا يحمل الماشين إلاّ الحوامل ولا سابق إلاّ بساق سليمةٍ *** ولا باطشٌ ما لم تعنه الأنامل إذا أنت لم تعرض عن الجهل والخنى *** أصبت حليم وأصابك جاهل الهراش: أشدّ القتال، مثل مهارشة الكلاب. وأراد بالحوامل الأرجل. وأنشد بعده: وما حب الدّيار شغفن قلبي تمامه: ولكن حبّ من سكن الدّيارا هو لقيسٍ مجنون بني عامر. وتقدم الكلام عليه في الشاهد التسعين بعد المائتين. وأنشد بعده: وهو الكامل يسقون من ورد البريص عليهم *** بردى يصفّق بالرّحيق السّلسل على أنّه قد يقوم المضاف إليه مقام المضاف في التذكير، لأنّه أراد: ماء بردى. ولو لم يقم مقامه في التذكير لوجب أن يقال تصفّق بالتاء للتأنيث، لأنّ بردى من صيغ المؤنث، وهو نهر دمشق. قال أبو عبيد البكري: هو من البرد، سمّي بذلك لبرد مائه. وأورده صاحب الكشّاف عند قوله تعالى: {يجعلون أصابعهم في آذانهم على أن الواو في يجعلون ضمير أصحاب الصّيب وإن كان محذوفاً، لبقاء معناه، كما أرجع الشاعر ضمير يصفق إلى ماء بردى، مع أنّه غير مذكور؛ ولهذا ذكّر يصفّق. قال ابن المستوفى: لو قال قائل: إنّه أعاد الضمير مذكّراً على المعنى لأنّ بردى نهر لوجد مساغاً. وروى صاحب الأغاني: كأساً تصفّق بالرّحيق السّلسل وعليه لا شاهد فيه. والبريص قال أبو عبيد البكريّ في معجم ما استعجم وتبعه الصاغاني في العباب: هو بفتح الموحّدة وآخر صاد مهملة: موضع بأرض دمشق. وزاد الجواليقيّ في المعرّبات: وليس بالعربيّ الصحيح؛ وقد تكلمت به العرب، وأحسبه روميّ الأصل. وأنشد هذا البيت. ولم أر من أهل اللغة من ضبطه بالضاد المعجمة. وقد اختلف شرّاح المفصّل في ضبطه ومعناه، فقال ابن يعيش: هو بالصاد المهملة نهر يتشعّب من بردى، وهو نهر دمشق، كالصّراة من الفرات. وزلدمشق أنهار أربعة كلّها من بردى. وقال المظفريّ: هو بالضاد المعجمة وادٍ في ديار العرب، والبريص بالصاد المهملة: اسم نهر، وقيل اسم موضع بدمشق. وقال ابن المستوفى: هو بالضاد المهملة. قال المفسّرون: هو مأخوذ من البرض، أراد الموضع المبيّض المجصصّ. ويروى بالضاد المعجمة: فعيل من البرص وهو الماء القليل. ورواية المهملة أكثر وأجود. وقالوا: هو اسم نهر. وكرّر البريص في هذه القصيدة فقال: فعلوت من أرض البريص عليهم *** حتّى نزلت بمنزلٍِلم يوغل فدلّ على أنّه موضع بعينه، لا ما ذهب إليه من فسّره قبل. قال أبو دريد: والبريص موضع بدمشق، وليس بالعربي الصحيح، وقد تكلّمت به العرب وأنشد هذا البيت. انتهى. وقال بعضهم: هو موضع فيه أنهارٌ كثيرة، وهو بالمهملة. وأنشد: الوافر أهان العام ما عيّر تمون *** شواء المسمنات مه الخبيض فما لحم الغراب لنا بزادٍ *** ولا سرطان أنهار البريص وفاعل يسقون وهو الواو ضمير عائدٌ على أولاد جفنة في بيت قبله كما يأتي ومن مفعوله. قال العصام في حاشية القاضي: وتعديه الورود بعلى لتضمّنه معنى النزول، وإلاّ قالورود المتعدّي بعلى بمعنى الوصول لا يعدّى بنفسه. والباء في قوله بالرحيق للمصاحبة، أي: ممزوجاً بالخمر الصافية السائغة. ويصفّق بالبناء للمفعول، والتصفيق: التحويل من إناء إلى إناء ليصفّى، وحقيقته التحويل من صفق إلى صفق، أي: من ناحية إلى ناحية. والباء في بالرحيق متعلق بمحذوف، أي: يمزج بالرحيق، وهو الصافي من الخمر. وقال صاحب الكشّاف في المطففين: الرحيق: صفوة الخمر، ولهذا فسّر بالشراب الخالص الذي لا غشّ فيه. والسلسال: السهل الانحدار السائغ الشراب. قال ابن حاجب في أماليه: يجوز أن يكون المراد مدح ماء بردى وتفضيله علىغيره. ومعنى يصفّق يمزج، يقال صفّقته، إذا مزجته. والرحيق: الخمر. والسلسل: السهل، أي: كأنه ممزوج بذلك، فأسقط التشبيه كعادتهم في المبالغة. ويجوز أن يكون المراد مدح هؤلاء القوم بالكرم وأنّهم لا يسقون الماء إلاّ ممزوجاً بالخمر، لسعتهم وكرمهم وتعظيم من يرد عليهم. انتهى. والظاهر أنّ المراد هو الثاني لا الأوّل، للسياق والسّباق. وليس معنى التصفيق ما ذكره، والصواب ما ذكره بعض فضلاء العجم في شرح أبيات المفصّل من أنه يصفهم بالجود على من يرد عليهم، فيسقونه ماء مصفّى ممزوجاً بالخمر الصافية السائغة في الحلق. وحمل هذا الكلام على القلب أظهر، يريد: يسقون من يرد عليهم الرحيق السلسل يصفّق ببردى أي: بمائها. انتهى. وهذا البيت من قصيدة لحسّان بن ثابت الصّحابيّ، وقد تقدّمت ترجمته فيالشاهد الحادي والثلاثين مدح بها آل جفنة ملوك الشام. وهذه قطعة منها بعد المطلع بثلاثة أبيات: لله درّ عصابةٍ نادمتهم *** يوماً بجلّق في الزمان الأوّل أولاد جفنة حول قبر أبيهم *** قبر ابن مارية الكريم المفضل يغشون حتّى ما تهرّ كلابهم *** لا يسألون عن السّواد المقبل يسقون من ورد البريص عليهم *** بردى يصفّق بالرّحيق السّلسل يسقون درياق الرّحيق ولم تكن *** تدعى ولائدهم لنقف الحنظل بيض الوجوه كريمةٌ أحسابهم *** شمّ الأنوف من الطّراز الأوّل فلبثت أزماناً طوالاً فيهم *** ثمّ ادّكرت كأنّني لم أفعل إلى أن قال بعد بيتين: ولقد شربت الخمر في حانوته *** صهباء صافيةٌ كطعم الفلفل يسعى عليّ بكأسها متنطّفٌ *** فيعلّني منها وإن منها وإن لم أنهل إنّ التي ناولتني فرددته *** قتلت قتلت فهاتها لم تقتل كلتاهما حلب العصير فعاطني *** بزجاجةٍ أرخاهما للمفصل بزجاجةٍ رقصت بمل في قعره *** رقص القلوص براكبٍ مستعجل العصابة: الجماعة من الناس. وجلّق: بكسر الجيم واللام أيضاً. قال الجواليقي في المعربات: يراد به دمشق، وقيل موضع بقرب دمشق، وقيل إنه صورة امرأة كان الماء يخرج من فيها في قرية من قرى دمشق، وهو أعجميّ معرب، وقد جاء في الشعر الفصيح. وأنشد هذا البيت. وقوله: أولاد جفنة الخ بالجرّ بدل من عصابة، ويجوز رفعه. وجفنة بفتح الجيم هو أبو ملوك الشام، وهو جفنة بن عمرو مزيقياء بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازنٍ الغسانيّ. وابن مارية هو الحارث الأعرج، وهو الحارث بن بجيلة بن الحارث بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة. وأما جبلة بن الأيهم فهو ابن ماوية؛ لأنّه ابن الأيهم بن جبلة بن الحارث الأعرج. وأراد باولاد جفنة أولاد الحارث الأعرج بن مارية، وهم: النعمان، والمنذر، والمنيذر، وجبلة، وأبو شمر. وهؤلاء كلّهم ملوك، وهم أعمام جبلة بن الأيهم. كذا في مختصر أنساب العرب لياقوت الحمويّ. قال السيّد الجرجانيّ في شرح المفتاح: ترك تفضيلهم احترازاً عن تقديم بعضهم على بعض. ثم قوله وعن التصريح بأسامي الإناث الداخلة فيهم، فيه نظر؛ فإن ذكر نساء الملوك لا يعهد عند ذكر الملوك. وقوله: إنّ مارية هي أمّ جفنة غير صواب، وإنّما هي أم الحارث الأعرج. ومارية قال جمهور النسّابين: هي مارية بنت ظالم بن وهب بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع الكندية. وقال أبو عبيدة وابن السكيت: هي مارية بنت أرقم بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة فتكون على هذا غسّانية، وهي أخت هند امرأة حجر والد امرئ القيس صاحب المعلّقة، وليست أمه. ومارية هي التي تضرب المثل بقرطيها فيقال: خذه ولو بقرطيّ مارية ، يضرب للترغيب في الشيء وإيجاب الحرص عليه، أي: لا يقوتنّك على كلّ حال، وإن كنت تحتاج في إحرازه إلى بذل النفائس. قال الزمخشريّ في أمثاله: هي أول عربية تقرّطت وسار ذكر قرطيها في العرب، وكانا نفيسي القيمة، وقيل إنّهما قوّما بأربعين ألف دينار، وقيل كان فيهما درّتان كبيض الحمام لم ير مثلهما، وقيل هي من اليمن أهدت قرطيها إلى البيت. انتهى. وقال أبو محمد الأعرابيّ: هي ذات القرطين؛ لدرّتين كأنّهما بيضتا نعامة وحمامة. وأراد بقوله: حول قبر أبيهم، أنّهم ملوك ذوو حاضرةٍ ومستقرّ، ليسوا أصحاب رحلة وانتجاع. سئل الأصمعيّ بأنّه ما أراد حسان به، وأي مدح لهم في كونهم عند قبر أبيهم؟ فقال: إنّهم ملوك حلول في موضع واحد، وهم أهل مدر وليسوا بأهل عمد. وقال غيره: معناه أنّهم آمنون لا يبرحون ولا يخافون كما تخاف العرب، وهم مخصبون لا ينتجعون. قال السّيد المرتضى في أماليه: هذا من الاختصار الذي ليس فيه حذف. أراد أنّهم أعزّاء مقيمون بدار مملكتهم، لا ينتجعون كالأعراب. فاختصر هذاالمبسوط في قوله: حول قبر أبيهم. قال: والاختصار غير الحذف؛ وقومٌ يظنون أنّهما واحد، وليس كذلك، لأنّ الحذف يتعلّق بالألفاظ: وهو أن تأتي بلفظ يقتضي غيره، ويتعلّق به، ولا يستقلّ بنفسه ويكون في الموجود دلالةٌ على المحذوف، فيقتصر عليه طلباً للاختصار. والاختصار يرجع إلى المعاني: وهو أن تأتي بلفظٍ مفيدٍ لمعان كثيرة لو عبّر عنها بغيره لاحتيج إلى أكثر من ذلك اللفظ. فلا حذف إلاّ وهو اختصارٌ، وليس كلّ اختصار حذفاً. انتهى كلامه. وأدرج ابن رشيق في العمدة هذا النوع في باب الإشارة، قال: والإشارة من غرائب الشعر وملحه، وبلاغةٌ عجيبةٌ تدلّ على بعد المرمى وفرط القدرة؛ وليس يأتي بها إلاّ الشاعر المبرّز، والحاذق الماهر؛ وهي في كلّ نوعٍ من الكلام لمحةٌ دالّةٌ، واختصار، وتلويج يعرف مجملاً ومعناه بعيد من ظاهر لفظه. وقوله: يغشون حتّى ما تهرّ كلابهم الخ ، بالبناء للمفعول أي: يتردّد إليهم؛ من غشيه: إذا جاءه. وهرّ الكلب يهرّ، من باب ضرب، هريراً: إذا صوّت، وهو دون النّباح. يعني أنّ منازلهم لا تخلو من الأضياف والفقراء، فكلابهم لا تهرّ على من يقصد منازلهم، لاعتيادها بكثرة التردّد إليها من الأضياف وغيرهم وقوله: لا يسألون الخ ، أي: هم في سعة لا يسألون كم نزل بهم من الناس، ولا يهولهم الجمع الكثير، وهو السّواد، إذا قصدوا نحوهم. وهذا البيت استشهد به سيبويه وابن هشام في المغني على أنّ حتّى فيه ابتدائية، ألأي: حرف يبتدأ بعده الجملة اسميّة، وفعلية. وقال أبو عليّ في التذكرة القصرية: اعلم أنّ يغشون للحال الماضي، أعني أنّه حكاية لما مضى من الحال، لولا تقديرك له بالحال ما صحّ الرفع؛ لأنّ الرفع لا يكون إلاّ والفعل واقع. ويغشون لا يكون إلاّ للحال وللآتي، فلو قدّرته للآتي لم يصحّ الرفع، إذ لا يكون الرفع إلاّ وما قبله واقع والآتي لا يكون واقعاً، فثبت أن يغشون للحال إذ كانت الحال واقعة، كأنّه قال: من عادتهم أنّهم يغشون حتّى لا تهرّ كلابهم، أي: لا يزالون يغشون. انتهى. وقوله: يسقون درياق الرّحيق الخ ، يسقون بالبناء للمفعول، قال شارح الديوان السكريّ: الدّرياق: خالص الخمر وجيّده، سبّهه بالدّرياق الشافي. والولائد: جمع وليدة، وهي الخادم. والنّقف: استخراج ما في الحنظل. يقول: هم ملوكٌ تجتني ولائدهم الحنظل ولا تنتقفه. وقوله: يسعى على بكأسها الخ ، المتنطّف: المقرّط؛ والنّطفة بفتحات: القرط. ويروى: متنطّق ، وهو الذي عليه منطقةٌ. وعلّة: سقاه سقياً بعد سقي. والنّهل هن: العطش. وقال السكريّ: يقول: يسقينيها على كلّ حالٍ، عطشت ولم أعطش. وقوله: إنّ التي ناولتني فرددتها قتلت ، بالبناء للمفعول، أي: مزجت بالماء، والجملة خبر إنّ. وقوله: قتلت ، هذا أيضاً بالبناء للمفعول، لكنّه مسند إلى ضميرالمتكلم، والجملة اعتراضية. وقوله: كلتاهما الخ ، أراد كلتا الممزوجة والصرف، حلب العنب، فناولتي أشدّهما إرخاء، وهي الصّرف التي طلبها منه في قوله لم تقتل. وهاتها بكسر التاء أمرٌ من هاتى يهاتي مهاتاة. والحلب بفتحتين بمعنى المحلوب، كالنقص بمعنى المقنوص. وأرخاهما هو أفعل تفضيل من أرخى المزيد، وهو سماعيٌّ عند قوم مقيسٌ عند آخرين. والمفصل ، روي بكسر الميم وفتح الصاد، وهو اللّسان لأنه آلة يفصل به، وروي بفتح الميم وكسر الصاد، وهو موضع انفصال العضو. وقوله: رقص القلوص ، بفتح القاف: الناقة الشابّة، قال السكريّ: يقال رقص رقصاً وحلب حلباً بفتحتين، وقد تخفّف، والوجه الفتح. قال ابن الشجريّ في أماليه: قال أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني صاحب كتاب الأغاني حديثاً رفعه إلى أبي ظبيان الحمّاني قال: اجتمعت جماعةٌ من الحيّ على شرابٍ، فتغنّى أحدهم بقول حسّان: إنّ التي ناولتني فردتها البيت وقوله: كلتاهما حلب العصير البيت فقال رجلٌ منهم: كيف ذكر واحدةٌ بقوله إنّ التي ناولتني فرددتها ثم قال كلتاهما فجعلها اثنتين؟ قال أبو ظبيان: فلم يقل أحدٌ من الجماعة جواباً، فحلف رجلٌ منهم بالطلاق ثلاثاً إن بات ولم يسأل القاضي عبد الله بن الحسن عن تفسير هذا الشعر! قال: فسقط في أيدينا ليمينه، ثم اجتمعنا على قصد عبيد الله. فحدّثنا بعض أصحابنا السعديّين قال: فيمّمناه نتخطّى إليه الأحياء، فصادفناه في مسجدٍ يصلي بين العشاءين، فلمّا سمع حسّناً أوجز في صلاته. ثم أقبل علينا فقال: ما حاجتكم؟ فبدر رجلٌ منا كان أحسننا بقيّة فقال: نحن، أعزّ الله القاضي، قومٌ نزعنا إليك من طريق البصرة في حاجة مهمّة، فيها بعض الشيء،فإن أذنت لنا قلنا. فقال: قولوا. فذكر يمين الرجل والشّعر. فقال: أمّا قوله: إنّ التي ناولتني، فإنّه يعني الخمر. وقوله: قتلت أراد مزجت بالماء. وقوله: كلتاهما حلب العصير ، يعني الخمر ومزاجها، فالخمر عصير العنب والماء عصير السحاب، قال الله تعالى: {وأنزلنا من المعصرات ماءً تجّاجاً . انصرفوا إذا شئتم. وأقول: إنّ هذا التأويل يمنع منه ثلاثة أشياء: أحدها: أنّه قال كلتاهما وكلتا موضوعة لمؤنثين، والماء لمذكر والمذكر أبداً يغلّب على التأنيث، كتغليب القمر على الشمس في قول الفرزدق: لنا قمراها والنّجوم الطّوالع. أراد: لنا شمسها وقمرها. وليس للماء اسم مؤنث فيحمل على المعنى كما قالو: أتته كتابي فاحتقرها ؛ لأنّ الكتاب في المعنى صحيفة. والثاني: أنّه قال: أرخاهما للمفصل، وأفعل هذا موضوع لمشتركين في معنى، وأحدهما يزيد على الآخر في الوصف به، والماء لا يشارك في إرخاء المفصل. والثالث: أنّه قال في الحكاية: فالخمر عصير العنب، وقول حسّان حلب العصير يمنع من هذا، لأنّه إذا كان العصير الخمر والحلب هو الخمر فقد أضيت الخمر إلى نفسها، والشيء لا يضاف إلى نفسه. والقول في هذا عندي: أنه أراد كلتا الخمرين: الصرف والممزوجة، حلب العنب، فناولني أشدّهما إرخاء للمفصل. وفرّق اللغويون بين المفصل والمفصل فقالوا: المفصل بكسر الميم وفتح الصاد اللسان، وهو بفتح الميم وكسر الصاد واحد مفاصل العظام، وهو في بيت حسان يحتمل الوجهين. انتهى كلام ابن الشجري. وأما حديث حسان بن ثابت مع جبلة بن الأيهم، وكيفية إسلام جبلة وارتداده، فقد أورده صاحب الأغاني مفصّلاً وها أنا أورده مجملاً: روى بسنده إلى يوسف بن الماجشون عن أبيه قال: قال حسّان بن ثابت: أتيت جبلة بن الأيهم الغسّاني وقد مدحته، فأذن لي، فجلست بين يديه، وعن يمينه رجلٌ له ضفيرتان، وعن يساره رجلٌ لا أعرفه، فقال: أتعرف هذين؟ فقلت: أمّا هذا فأعرفه - وهو النابغة الذبيانيّ - وأما هذا فلا أعرفه. قال: هو علقمة بن عبدة، فإن شئت استشدتهما وسمعت منهما ، ثم إن شئت أن تنشد بعدهما أنشدت، وإن شئت أن تسكت سكتّ . قلت: فذاك. فأنشده النابغة: الطويل كليني لهمّ يا أميمة ناصب *** وليلٍ أقاسيه بطيء الكواكب قال: فذهب نصفي. ثم قال لعلقمة: أنشد. فأنشد: الطويل طحا بك قلبٌ في الحسان طروب *** بعيد الشّباب عصر حان مشيب فذهب نصفي الآخر؛ فقال لي: أنت أعلم الآن، إن شئت سكتّ وإن شئت أنشدت. فتشدّدت وأنشدت: لله درّ عصابةٍ نادمته *** يوماً بجلّق في الزّمان الأوّل أبناء جفنة عند قبر أبيهم *** قبر ابن مارية الجواد المفضل يسقون من ورد البريص عليهم *** كأساً تصفّق بالرّحيق السّلسل يغشون حتّى ما تهرّ كلابهم *** لا يسألون عن السّواد المقبل بيض الوجوه كريمةٌ أحسابهم *** شمّ الأنوف من الطّراز الأوّل فقال لي: ادن ادن، لعمري ما انت بدونهما. ثمّ أمر لي بثلثمائة دينار وعشرة أقمصه لها جيبٌ واحد، وقال: هذا لك عندنا في كلّ عام. وذكر أبو عمرو الشّيبانيّ هذه القصّة لحسّان مع عمرو بن الحارث الأعرج، وأتى بالقصّة أتمّ من هذه الرواية، قال أبو عمرو: قال حسّان بن ثابت: قدمت على عمرو بن الحارث فاعتاض الوصول إليه، فقلت للحاجب بعد مدّة: إن أذنت لي عليه وإلاّ هجوت اليمن كلّها. ثم انقلبت عنكم ، فأذن لي فدخلت، فوجدت عنده النابغة وعلقمة بن عبدة، فقال لي: يا ابن الفريعة، قد عرفت نسبك في غسّان فارجع، فإني باعثٌ إليك بصلة سنيّة ولا تحتاج إلى الشعر فإني أخاف عليك هذين السبعين أن يفضحاك، فضيحتك فضيحتي، وأنت والله لا تحسن أن تقول: الطويل رقاق النّعال طّيبٌ حجراتهم *** يحيّون بالرّيحان يوم السّباسب فأبيت وقلت: لا بدّ منه، فقال: ذاك إلى عمّيك. فقلت لهما: بحقّ الملك إلاّ ما قدّمتماني عليكما! فقال: قد فعلنا. فأنشأت أقول: أبناء جفنة عند قبر أبيهم *** قبر ابن مارية الكريم المفضل الأبيات فلم يزل عمرو بن الحارث يزحل عن مجلسه سروراً، حتّى شاطر البيت وهو يقول: هذا وأبيك الشعر، لا ما يعلّلاني به منذ اليوم، هذه والله البتّارة التي قد بترت المدائح أحسنت يا ابن الفريعة، هات له يا غلام ألف دينار مرجوحة . فأعطيت ذلك، ثم قال: لك عليّ كلّ سنة مثلها. وقال أبو عمرو الشّيبانيّ: لّما أسلم جبلة بن الأيهم الغسّانيّ - وكان من ملوك آل جفنة - كتب إلأى عمر يستأذنه في القدوم عليه، فأذن له فخرج إليه في خمسمائةٍ من أهل بيته، من عكّ وغسّان، حتى إذا كان على مرحلتين كتب إلأى عمر يعلمه بقدومه، فسرّ عمر رضوان الله عليه بذلك وأمر الناس باستقباله، وبعث إليه بأنزلٍ، وأمر جبلة مائتي رجل من أصحابه فلبسوا الديباج والحرير. وركبوا الخيل معقودةً أذنابها، وألبسوها قلائد الذهب والفضّة، ولبس جبلة تاجه وفيه قرطا مارية - وهي جدّته - ودخل المدينة فلم يبق بها بكر ولا عانسٌ إلاّ خرجت تنظر إليه وإلى زيّه، فلما انتهى إلى عمر رحّب به وألطفه وأدنى مجلسه، ثم أراد عمر الحجّ فخرج معه جبلة يده فهشم أنف الفرازيّ، فاستعدى عليه عمر، فيعث إلأى جبلة فأتاه فقال: ما هذا؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، إنه تعمّد حلّ إزاري، لولا حرمة الكعبة لضربت عنقه بالسّيف! قال عمر، قد أقررت إمّا أن ترضي الرجل وإمّا أقدته. قال جبلة: تصنع ماذا؟ قال: آمر بهشم أنفك، قال: وكيف ذلك، هو سوقة وأنا ملك؟ قال: إنّ الإسلام جمعك وإياه، فليس تفضله إلاّ بالتّقى والعافية؟! قال جبلة: قد ظننت أني أكون في الإسلام أعزّ منّي في الجاهليّة. قال عمر: دع عنك هذا، فإنّك إن لم ترض الرجل أقدته منك! قال: إذن أتنصّر! قال: إن تنصّرت ضربت عنقك، فلما رأى جبلة الجدّ من عمر قال: أنا ناظر في هذا ليلتي هذه. وقد اجتمع بباب عمر من حيّ هذ وحيّ هذا خلق كثيرٌ حتّى كادت أن تكون فتنة، فلما أمسوا أذن له عمر بالانصراف، حتّى إذا نام الناس تحمّل جبلة مع جماعته إلى الشام، فأصبحت مكة منهم بلاقع. فلما انتهى إلى الشام تحمّل في خمسمائةٍ من قومه حتّى أتى القسطنطينيّة فدخل إلى هرقل، فتنصّر هو وقومه، فسرّ هرقل بذلك جدّاً، وطنّ أنّه فتحٌ من القتوح، واقعده حيث شاء، وجعله من محدّثيه وسمّاره. ثم إنّ عمر بدا له أن يكتب إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام، ووجّه إليه رسولاً وهو جثّامة بن مساحق الكنانيّ ، فلما انتهى إليه أجاب إلى كل شيء سوى الإسلام، فلما أراد الرسول الانصراف قال له هرقل: هل رأيت ابن عمّك هذا الذي جاءنا راغباً في ديننا؟ قلت: لا. قال: فالقه. قال: فتوجّهت إليه، فلما انتهيت إلى بابه رأيت من البهجة والحسن والستور ما لم أر مثله بباب هرقل، فلما أدخلت عليه إذا هو في بهو عظيم، وفيه من التصاوير ما لا أحسن وصفه، وإذا هو جالس على سريرٍ من قوارير قوائمه أربعة أسدٍ من ذهب، وقد أمر بمجلسه فاستقبل به وجه الشمس، فما بين يديه من آنية الذهب والفضة تلوح، فما رأيت أحسن منه، فلمّا سلّمت عليه ردّ السلام ورحبّ بي والطفني، ولامني على تركي النزول عنده، ثم أقعدني على سرير لم ادر ما هو، فتبينته فإذا هو كرسيٌّ من ذهب، فانحدرت عنه فقال: مالك؟ فقلت: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهى عن هذا. فقال جبلة أيضاً مثل قولي في النبي صلّى الله عليه وسلم حين ذكرته، وصلّى عليه، ثم قال: يا هذا، إنّك إذا طهّرت قلبك لم يضرّك ما لبسته ولا ما جلست عليه. ثم سألني عن الناس، وألحف في السؤال عن عمر، ثم جعل يفكّر حتّى عرفت الحزن في وجهه، فقلت له: ما يمنعك من الرجوع إلى قومك والإسلام؟. فقال: أبعد الذي قد كان؟ قلت: قد ارتدّ الأشعث بن قيس عن الإسلام زمنعهم الزّكاة وضربهم بالسيف ثم رجع إلى الإسلام. فتحدّثنا مليّاً ثم أومأ إلى غلام على رأسه، فولّى يحضر، فما كان إلاّ هينهة حتى أقبلت الأخونة فوصعت، وجيء بخوان من ذهب فوضع أمامي فاستعفيت، فوضع أمامي خوان من خلنج وجامات قوارير، وأديرت الخمر فاستعفيت منها، فلما فرغنا دعا بكأس من ذهب فشرب منه خمساً، ثم أومأ إلى غلام فولّى يحضر فما شعرت إلاّ بعشر جوارٍ يتكسّرن في الحلي والحلل، فقعد خمسٌ عن يمينه وخمس عن شماله، ثم سمعت وسوسةٍ من ورائي، فإذا أنا بعشرٍ أفضل من الأول، عليهنّ الوشي والحلي، فقعد خمسٌ عن يمينه وخمس عن شماله. ثم أقبلت جاريةٌ على رأسها طائر أبيض كأنه لؤلؤة، مؤدّب، وفي يدها اليمنى جام فيه مسك وعنبر قد خلطا، وفي اليسرى جام فيه ماء ورد، فألقت الطائر في ماء الورد فتمعّك فيه بين جناحيه وظهره وبطنه، ثم أخرجته فألقته في جام المسك والعنبر فتمعّك فيهما حتى لم يدع فيه شيئاً، ثم نفّرته فطار فسقط على رأس جبلة، ثم رفرف ونفض ريشه فما بقي عليه شيء إلاّ سقط على جبلة؛ ثم قال للجواري: أطربني فخفقن بعيدانهنّ يعنيّن: لله درّ عصابةٍ نادمتهم *** يوماً بجلّق في الزّمان الأوّل الأبيات فاستهلّ واستبشر وطرب، ثم قال: زدنني. فاندفعن يغنّين: الخفيف لمن الدّار أقفرن بمعان *** بين شاطي اليرموك فالصّمّان إلى آخر القصيدة. فقال: أتعرف هذه المنازل؟ قلت: لا. قال: هذه منازلنا في ملكنا بأكناف دمشق، وهذا شعر ابن الفريعة حسّان بن ثابت شاعر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قلت: أما إنّه مضرور البصر، كبير السنّ! قال: يا جارية، هاتي. فأتته بخمسمائة دينار، وخمسة أثواب ديباج، فقال: ادفع هذه إلى حسّان. ثم روادني على مثلها، فأبيت فبكى، ثم قال لجواريه: أبكينني. فعوضن عيدانهنّ ثم أنشأن يقلن: الطويل تنصّرت الأشراف من عار لطمةٍ *** وما كان فيها لو صبرت لها ضرر تكنّفني فيها لجاجٌ ونخوةٌ *** وكنت كمن باع الصّحيحة بالعور. فيا ليت أمّي لم تلدني وليتني *** رجعت إلى القول الذي قاله عمر ويا ليتني أرعى المخاض بفقرةٍ *** وكنت أسيراً في ربيعة ومضر ويا ليت لي بالشّام أدنى معيشةٍ *** أجالس قومي ذاهب السّمع والبصر ثم بكى وبكيت معه، حتّى نظرت إلى دموعه تجول على لحيته كأنها اللؤلؤ ، ثم سلّمت عليه وانصرفت، فلما قدمت على عمر سألني عن هرقل وعن جبلة فقصصت عليه القصّة، فقال: أبعده الله، تعجّل فانيةً اشتراها بباقية، فهل سرّح معك شيئاً؟ قلت: سرّح إلى حسان خمسمائة دينار وخمسة أثواب ديباج. فقال: هاتها. وبعث إلى حسان فأقبل يقوده قائده حتّى دنا فسلّم وقال: يا أمير المؤمنين، إنّي لأجد أرواح آل جفنة! فقال عمر رضي الله عنه: قد نزع الله تعالى لك منه على رغم أنفه، طوأتاك بمعونته . فأخذها وانصرف وهو يقول: الكامل إنّ ابن جفنة من بقيّة معشرٍ *** لم يغذهم آباؤهم باللّوم لم ينسني بالشّام إذ هو ربّه *** كلاّ ولا منتصّراً بالرّوم يعطي الجزيل ولا يراه عنده *** إلاّ كبعض عطيّة المذموم وأتيته يوماً فقرّب مجلسي *** وسقى فروّاني من الخرطوم ثم قال للرسول: ما لك جبلة؟ قال: قال لي: إن وجدته حيّاً فادفعها إليه، وإن وجدته ميتاً فاطرح الثّياب على قبره، وابتع بهذه الدنانير بدناً فانحرها على قبره. فقال حسّان: ليتك والله وجدتني ميتاً ففعلت ذلك بي! انتهى كلام الأغاني. وروى هذه القصة ابن عبد ربه في العقد على هذا النمط وزاد فيها عند قوله: قد ارتدّ الأشعث بن قيس عن الإسلام ثم رجع وقبل منه . قال جبلة: ذرني من هذا، إن كنت تضمين لي ان يزوّجني عمر بنته، ويولّيني بعده الأمر رجعت إلى الإسلام. قال: فضمنت له التزويج، ولم أضمن الإمرة. وقال في آخر القصة: فلما قدمت على عمر أخبرته خبر جبلة وما دعوته إليه من الإسلام، والشرط الذي اشترطته، فقال لي عمر: هلاّ ضمنت له الإمرة أيضاً، فإذا أفاء الله به إلى الإسلام قضى عليه بحكمه عز وجلّ. قال: ثم جهّزني عمر إلى قيصر، وأمرني أن أضمن لجبلة ما اشترط به. فلما قدمت القسطنطينية وجدت الناس منصوفين من جنازته، فعلمت أن الشّقاء غلب عليه في أمّ الكتاب. انتهى. وروى صاحب الأغاني عن ابن الكلبي: أنّ الفزاريّ لما وطئ إزار جبلة فلطم الفزاريّ جبلة كما لطمه جبلة، وثب عليه غسّان فهشّموا أنفه وأتوا به عمر. ثم ذكر باقي الخبر كما ذكر. وروى الزّبير بن بكّار: أنّ جبلة قدم على عمر في ألفٍ من أهل بيته فأسلم وجرى بينه وبين رجل من أهل المدينة كلام، فسبّ المدنيّ فردّ عليه، فلطمه جبلة فلطمه المدنيّ، فوثب عليه أصحاب جبلة، فقال: دعوه حتّى أسأل صاحبه وأنظر ما عنده. فجاء إلى عمر فأخبر، فقال: إنّك فعلت به فعلاً ففعل بك مثله. قال: وليس عندك من الأمر إلاّ ما أرى؟ قال: لا، فما عندك من الأمر يا جبلة؟ قال: من سبّنا ضربناه، ومن ضربنا قتلناه! قال: إنّما أنزل القرآن بالقصاص!! فعضب وخرج بمن معه، ودخل أرض الروم فتنصّر، ثم ندم فقال: تنصّرت الأشراف من عار لطمةٍ وذكر الأبيات الماضية . ثم روى صاحب الأغاني بسنده عن عبد الله بن مسعدة الفزاريّ قال: وجّهني معاوية إلى ملك الروم، فدخلت عليه، وعنده رجل على سرير من ذهب، فكلّمني بالعربية فقلت: من أنت يا عبد الله؟ قال أنا رجل غلب الشقاء، أنا جبلة بن الأيهم الغسّاني، إذا صرت إلى منزلي فالقني. فلمّا انصرف أتينه فألقينه على شرابه، وعنده فينتان تغّنيانه بشعر حسّان بن ثابت، فلمّا فرغتا من غنائهما أقبل عليّ فقال: ما فعل حسان بن ثابت؟ قلت: شيخ كبير قد عمي! فدعا بألف دينار، فقال: ادفعها إلى حسان. ثم قال: أترى صاحبك يفي لي إن خرجت إليه؟ قلت: قل ما شئت أعرضه عليه. قال: يعطيني الثنيّة فإنّها كانت منازلنا، وعشرين قرية من الغوطة منها داريّا وسكّاء ، ويفرض لجماعتنا ويحسن جوائزنا. فقلت: أبلّغه. فلمّا قدمت على معاوية أخبرته الخبر، فقال: وددت أنّك أجبته إلى ما سأل. وكتب إليه بعطاء ذلك، فوجده قد مات. وأنشد بعده: وهو وهو من أبيات المفصّل وغيره: وقد جعلتني من حزيمة إصبعا على أنّ فيه حذف ثلاث كلمات متضايفات، أي: ذا مقدار مسافة أصبع الأولى تقدير مضافين أي: ذا مسافة إصبع؛ فإنّ المسافة معناها البعد. والمقدار لا حاجة إليه. كذا قد رجماعةٌ منهم أبو عليّ في الإيضاح الشعري ، ومنهم ابن هشام في المغني . وهذا عجر، وصدره: فأدرك إبقاء العرادة ظلعها وهو من جملة أبياتٍ للكلحبة العريني، تقدّم شرحها وترجمته في الشاهد الحادي والستين. وأوّل الأبيات: فإن تنج منها يا حزيم بن طارقٍ *** فقد تركت ما خلف ظهرك بلقعا يقول: إن تنج يا حزيمة من فرسي، فلم تفلت إلاّ نفسك، وقد استبيح مالك وكا كنت حويته وعنمته، فلم تدع لك هذه الفرس شيئاً. وسبب هذه الأبيات: أنّ بني تغلب - وكان رئيسهم خزيمة بن طارق - أغار على بني مالك بن حنظلة من بني يربوع، فاستاق حريمة بن طارق إبل بني يربوع، ولما أتى الصّريخ إلى بني يربوع، ركبوا في إثره فهزموه، واستنقذوا منه ما كان أخذه واسر حريمة. وهذا البيت يشهد بانفلات حزيمة، وشعر جريرٍ يشهد بأسره، وهو قوله: قدنا حزيمة قد علمتم عنوةً ويجمع بينهما بأنّ حزيمة بعد أن نجا من الكلحبة أسره غيره. وضمير منها راجع إلأى فرس الكلحبة. وحزيم ، بفتح الحاء المهملة وكسر الزاء المعجمة: مرخمٌ حزيمة كما في البيت الآخر. والبلقع: الفقر الخالي. والإبقاء: ما تبقيه الفرس من العدو، إذ من عتاق الخيل ما لا تعطي ما عندها من العدو، بل وقوله: فأدرك إبقاء العرادة بفتح العين والراء والدال المهملات: اسم فرس الكلحبة. تبقي منه شيئاً إلى وقت الحاجة، يريد أنها شربت الماء، فقطعها عن غبقائها، ففاته حزيمة، وظلعها: فاعل أدرك، وإبقاء: مفعوله . والظّلع في الإبل بمنزلة العرج اليسير، ولا يكون في ذي الحافر إلاّ استعارة. يقول: تبعت حزيمة في هربه فلما قربت منه أصاب فرسي عرجٌ فتخلفت عنه، ولولا عرجها لما أسره غيري. وجملة وقد جعلتني الخ حالية. وأخطأ المظفريّ في شرح المفصّل حيث لم يقف على منشأ البيت، فزعم أنّ حزيمة اسم قبيلة، وقال في معناه: أدرك الظّلع غبقاء هذا الفرس أي: بقاءها وثباتها في السير، يعني كانت ثابتة في السير فعرجت في حالةٍ لم يبق بيني وبين قبيلتي إلاّ قدر إصبع. هذا كلامه، وكان السكوت أجمل به، لو كان يعقل! وقال العيني: كانت فرس الكلحبة مجروحة فقصّرت لما قرب من حزيمة ففاته. وهذا لم يقله أحد، وإنّما اعتذر الكلحبة لعرج فرسه وانفلات حزيمة بقوله: ونادى منادي الحيّ أن قد أتيتم *** وقد شربت ماء المزادة أجمعا يقول: أتى الصّريخ وقد شربت فرسي ملء الحوض ماء. وخيل العرب إذا علمت أنه يغار عليها، وكانت عطاشاً، فمنها ما يشرب بعض الشرب، وبعضها لا يشرب ألبتة، لما قد جرّبت من الشدّة التي تلقى إذا شربت الماء وحورب عليها. وجملة وقد شربت حال، أي: أتيتم في هذه الحال. كذا قال ابن الأنباريّ في شرح المفضّليات . فعلم من هذا أنّ سبب عرج فرسه من إفراط شرب الماء، لا من الجرح. والله أعلم. وأنشد بعده: المنسرح يا من رأى عارضاً أسر به *** بين ذراعي وجبهة الأسد على أنّ أصله: بين ذراعي الأسد وجبهة الأسد. فحذف المضاف إليه الأوّل على نيّة لفظه. ولهذا لم بين المضاف ولم ينوّن. ومن: منادى، وقيل المنادى محذوف ومن استفهامية. والرؤية بصريّة. والعارض: السّحاب الذي يعترض الأفق. وجملة أسرّ به بالبناء للمفعول صفة لعارض. والذراعان والجبهة: من منازل القمر. وعند العرب أن السحاب الذي ينشأ بنوء من منازل الأسد يكون مطره غزيراً، فلذلك يسرّ به. قال الأعلم في شرح شواهد سيبويه: وصف عارض سحابٍ اعترض بين نوء الذراع ونوء الجبهة، وهما من أنواء الأسد، وأواؤه أحمد الأنواء. وذكر الذراعين، والنوء إنّما هو للذراع المقبوضة منهما، لاشتراكهما في اعضاء الأسد. وتقدّم شرح هذا البيت - وهو للفرزدق - بأبسط من هذا في الشاهد السادس والثلاثين بعد المائة. وأنشد بعده: مجزوء الكامل إلاّ علالة وبد *** هة سابحٍ نهد الجزارة على أنّ الأصل: إلاّ علالة سابح أبو بداهة سابح، كالذي قبله. قال أبو علي في التذكرة القصريّة: ليس من اعترض في قوله: إلاّ علالة وبداهة قارح بأنّ المضاف إليه محذوف، بدافع أن يكون بمنزلة ما شبّهه به من قوله: لله درّ اليوم من لامها لأنه قد ولي المضاف إليه، وإذا وليه غيره في اللفظ فقد وقع الفصل به بينهما، كما وقع الفصل بينهما في اللفظ في قوله: لله درّ اليوم. وإذا كان كذلك فقد ساواه في القبح للفصل الواقع بينهما، وزاد عليه فيه أنّ المضاف هنا محذوف، ولله درّ اليوم مذكور، فلا يخلو الأمر من أن يكون أراد المضاف إليه فحذفه لدلالة الثاني عليه، وأراد غضافته إلى المذكور في اللفظ وفصل بينهما بالمعطوف. وكيف كانت القصّة فالفصل حاصلٌ بين المضاف والمضاف إليه. واعترض بأن قال: لو كان على تقدير الإضافة إلى قارح الظاهر، لكان إلاّ علالة وبداهة قارحٍ. ولا يلزم لأنه يجوز أن يكون: إلاّ علالة قارح وبداهة قارح، فيظهر المضاف إليه موضع الإضمار، فتحذفه من اللفظ كما جاز عند خالف سيبويه، بأن يدكر علالة وهو يريد الإضافة فيحذف المضاف. وله أن يقول: إنّ تقديري الحذف أسوغ، ولأنيّ أحذفه بعد أن قد جرى ذكره، وحذف ما جرى ذكره أسوغ لتقدّم الدلالة عليه. انتهى كلام أبي علي. وهذا البيت من قصيدة للأعشى ميمون تقدّم شرحه وترجمته في الشاهد الثالث والعشرين. وقبله: وهناك يكذب ظنكم أن لا اجتماع ولا زياره يقول: إذا غزوناكم علمتم أن ظنّكم بأنّنا لا نغزوكم كذب، وهو زعمكم أننا لا نجتمع ولا نزوركم بالخيل غازين. وقوله: إلاّ علالة استثناء منقطع من قوله لا اجتماع، أي: لكن نزوركم بالخيل. والعلالة: بضم المهملة: بقيّة جري الفرس. والبداهة بضم الموحدة: أول جري الفرس، وأو للإضراب. وروي بتقديم بداهة على علالة فأو، على هذا لأحد الشيئين. والسابح: الفرس الذي يدحو الأرض بيديه في العدو. والنّهد: المرتفع. والجزارة بضم الجيم: الرأس واليدان والرجلان. يريد أن في عنقه وقوائمه طولً وارتفاعاً. وهذا مدحٌ في الخيل. وأنشد بعده: وهو وهو من شواهد سيبويه: السريع لمّا رأت ساتيدما استعبرتلله درّ اليوم من لامها على أنه قد فصل في ضرورة الشعر بين المتضايقين بالظرف، والأصل: لله درّ من لامها اليوم. قال أبو علي في التذكرة القصرية قال سيبويه: تقول: عجبت من ضرب اليوم زيداً، ولا تكون على هذا: لله در اليوم من لامها، فيضيف درّاً إلى اليوم، لأنّ درّاً بمنزلة قولهم لله بلادك، فليست تجري مجرى المصدر ولا تعمل عمل الفعل. قال أبو عثمان: فلو أضفت درّاً إلى اليوم، لبقي قولك من لامها لا موضع له، لأنه ليس كالضرب فيكون الثاني في موضع نصب بالمصدر، فيكون بمنزلة عجبت من إعطاء زيد درهماً. فإذا بقي لا موضع له، لم تجز الإضافة في در ، وإذا لم تجز الإضافة في درّ إلى اليوم، جعلته فاصلاً بين المضاف والمضاف إليه، وجعلته متّصلاً باللام ومعمولاً له، ولا يكون معمولاً للامها؛ لأن ما في خيّز الصلة لا يعمل فيما قبله. انتهى. وهذا البيت ثاني أبيات ثلاثة لعمرو بن قميئة، وهي: قد سألتني بنت عمرو عن ال *** أرض التي تنكر أعلامها لمّا رأت ساتيدما استعبرت ***............ البيت تذكرت أرضاً بها أهله *** أخوالها فيها وأعمامها قال أبو محمد الأسود الأعرابيّ في فرحة الأديب: قال أبو النّدى: سبب بكائها أنها لما فارقت بلاد قومها، إلأى بلاد الروم، بكت وندمت على ذلك. وإنّما أراد عمرو بن قميئة بهذه الأبيات نفسه لا بنته، فكنّى عن نفسه بها. وساتيدم: جبل بين ميّا فارقين وسعرت. وكان عمرو بن قميئة قال هذا لما خرج مع امرئ القيس إلى ملك الروم. انتهى. وتنكر: تجهل، أنكرته إنكاراً: خلاف عرفته، ونكرته مثال تعبت كذلك، غير أنّه لا يتصرف. كذا في المصباح. والأعلام: الجبال، ويجوز أن يريد بها المنار المنصوبة على الطريق ليستدلّ بها من يسلك الطريق. يريد: أنها سألته عن المكان الذي صارت فيه وهي لا تعرفه، لما انكرته استخبرته عن اسمه. واستعيرت: بكت من وحشة الغربة ولبعدها من أراضي أهلها. والعرب تقول: لله درّ فلان، إذا دعوا له، وقيل: إنّهم يريدون لله عمله، أي: جعل الله عنله في الأشياء الحسنة اليت يرضاها. وإنّما دعا للائمها بالخير نكايةً بها لأنّها فارقت أهلها بحسن اختيارها، فيكون هذا تسفيهاً لها بتغرّبها. وقال الأعلم: وصف امرأةً نظرت إلى ساتيدما - وهو جبلٌ بعيدٌ من ديارها - فتذكرت بلادها فاستعبرت شرقاً إليها، ثم قال: لله درّ من لامها اليوم على استعبارها وشوقها، إنكاراً على لائمها، لأنّها استعبرت بحقّ، فلا ينبغي أن تلام. هذا كلامه. وليس هذا معنى الشعر فتأمّل. وذكلك لم يصب بعض فضلاء العجم في شرح أبيات المفصّل في قوله: قد سألتني هذه المرأة عن الأرضين التي كان بها أهلها، إذ أنكرت جباله وأعلامها المنصوبة فيها، ولم تعرفها لتقادم العهد به ولتغيّرها، لّما رأت هذا الجبل بكت، لأنه كان منزل أهلها. ثم قال: لله درّ من لامها على البكاء وقبّحه عندها لتمتنع عنه. انتهى كلامه. وهذا كلام من لم يصل إلى العنقود. وقوله: تذكّرت أرضاً بها أهلها ، قد استشهد سيبويه بهذا البيت أيضاً على أنّ قوله: أخوالها فيها وأعمامها، منصوب بفعل مضمر وهو تذكّرت. وهذا جائز عنهم بإجماع، لأنّ الكلام قد تمّ في قوله: تذكّرت أرضاً بها أهلها، ثم حمل ما بعده على معنى التذكّر. وأجاز بعض فضلاء العجم في شرح أبيات المفصّل أن يكون قوله: أخوالها، بدلاً من أرضاً بدل الاشتمال. وقوله: بها أهلها ؛ الظرف لقوله أرضاً، وأهلها فاعل الظرف، ويجوز أن يكون مبتدأ والظرف قبله خبره والجملة ه يالصفة. قال ابن خلف: ولو نصبت أهلها بإضمار فعل لجاز على بعد. والكلام على ساتيدما قد أجاد فيه ياقوت الحموي في معجم البلدان قال: ساتيدما بعد الألف تاء مثناة من فوق مكسورة وياء مثنّاة من تحت ودال مهملة مفتوحة وميم وألف مقصورة، أصله مهمل في الاستعمال في كلام العرب، فإمّا أن يكون مرتجلاً عربياً لأنّهم قد اكثروا من ذكره في شعرهم، وإمّا أن يكون أعدجمياً. قال العمرانيّ: هو جبلٌ بالهند لا يعدم ثلجه أبداً. وأنشدو: المتقارب أبرد من ثلج ساتيدم *** وأكثر ماءً من العكرش وقال غيره: سمّي بذلك لأنه ليس من يوم إلاّ ويسفك فيه دم، كأنّه اسمان جعلا واحداً: ساتي، دما. وسادي وساتي بمعنى، وهو من سدى الثّوب، فكأن الدماء تسدى فيه كما يسدى الثوب. وقد مدّه البحتريّ فقال: الطويل ولمّا أسفرت في جلولى ديارهم *** فلا الظّهر من ساتيدماء ولا اللّحف قال أبوعبيد البكريّ في معجم ما استعجم: رأيت البحتريّ قد مدّه، فلا أعلم أضرورة أم لغة، والبحتريّ شديد التوقيّ في شعره من اللحن والضّرورة. ثم قال ياقوت: وقد حذف يزيد بن مفرّغ ميمه فقال: الوافر فدير سوى فساتيدا فبصرى قلت: وهذا يدل على أن هذا الجبل ليس بالهند، وإنّما العمرانيّ وهم. وذكر غيره أنّ ساتيدما، هو الجبل المحيط بالأرض، منه جبل بارمّا، وهو الجبل المعروف بجبل حمرين وما يتّصل به قرب الموصل والجزيرة وتلك النواحي. وهو أقرب إلى الصحة. والله أعلم. وقال أبو بكر الصّوليّ في شرح قول أبي نواس: المنسرح ويوم ساتيدما ضربنا بني ال *** أصفر والموت في كتائبها قال: ساتيدما: نره أقرب أرزن، وكان كسرى وجّه إياس بن قبيصة الطائي لقتال الروم بساتيدما فهزمهم، فافتخر بذلك، وهذا هو الصحيح. وقوله: في بلاد الهند خطأ فاحش. وقد ذكر الكسرويّ فيما أورد في خبر دجلة عن المرزباني عنه، فذكر نهراً بين آمد وميّاً فارقين، ثم قال: ينصبّ إليه وادي ساتيدما، وهو خارج من درب الكلاب، بعد أن ينصبّ إلى وادي ساتيدما وادي الزور الآخذ من الكلك، وهو موضع ابن بقراط البطريق من ظاهر أرمينيا. قال: وينصبّ أيضاً من وادي ساتيدما، نهر ميّا فارقين، وهذا كله مخرجه من بلاد الروم، فأين هو الهند، ياللعجب! وقول عمروبن قميئة: لّما رأت ساتيدما استعبرت يدل على ذلك ؛ لأنه قاله في طريقه إلى ملك الروم، حيث سار مع امرئ القيس. انتهى كلام ياقوت. وقال البكريّ في معجم ما استعجم: ساتيدما: جبل متّصل من بحر الرّوم إلى بحر الهند، وليس يأتي يومٌ من الدهر إلاّ سفك عليه دم، فلذلك سمّي ساتيدما. وكان قيصر قد غزا كسرى وأتى بلاده على غرّة، فاحتال له حتّى انصرف عنه، واتبعه كسرى في جنوده فأدركه بساتيدما، فانهزموا مرعوبين من غير قتال، فقتلهم قتل الكلاب، ونجا قيصر ولم يكد. وفي شعر أبي النجم ساتيدما: قصر من قصور السواد، قال أبو النجم يذكر سكر خالدٍ القسريّ لدجلة: الزجر فلم يجئها المرء حتى أحكم *** سكراً لها أعظم من ساتيدما انتهى. ولا يخفى أنه ليس في قول أبي النجم ما يعيّن كونه قصراً، ولا مانع من أن يحمل على معنى الجبل. ومّما يرد به على العمرانيّ في قوله: إنه جبل بالهند لا يعدم ثلجه، أن الهند بلاد حارّة لا يوجد فيها الثلج. والله أعلم. وعمرو بن قميئة على وزن فعيلة، مؤنّث قميء على وزن فعيل مهموز اللام من قمؤ الرجل بضم الميم قمأ بسكونها، وقماءة بفتحها والمد، أي: صار قميئاً، وهو الصغير الذليل. قال ابن قتيبة في كتاب الشعراء: عمرو بن قميئة من قيس بن ثعلبة بن مالك رهط طرفة بن العبد، وهو قديمٌ جاهليّ كان مع حجر أبي امرئ القيس، فلما خرج امرؤ القيس إلى الروم صحبه. وغياه عني امرؤ القيس بقوله: الطويل بكى صاحبي لّما رأى الدّرب دونه *** وأيقن،ا لا حقان بقيصرا فقلت له: لا تبك عينك إنّم *** نحاول ملك ونموت فنعذوا ثم قال ابن قتيبة: وفي عبد القيس عمرو بن قميئة الضبعي. وأورد الآمدي في المؤتلف والمختلف ثلاثةً من الشعراء يقال لهم ابن قميئة، أوّلهم هذا قال: هوعمرو بن قميئة بن ذريح بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة الشاعر المشهور، دخل بلاد الروم مع امرئ القيس بن حجر فهلك، فقيل له عمروٌ الضائع. والثاني هو جميل بن عبد الله بن قميئة الشاعر العذريّ، أحد بني ظبيان بن حنّ، وحنّ ابن عذرة، ولم يكن جميل يعرف إلاّ بابن قميئة. والثالث ربيعة بن قميئة الصّعبي أحد بني صعب بن تيم بن أنمار بن ميسر بن عميرة بن أسد بن ربيعة بن نزار، شاعر له في كتاب عبد القيس القصيدة التي أوله: الطويل لمن دمنٌ قفرٌ كأنّ رسومه *** على الحول جفن الفارسيّ المزخرف وأنشد بعده: البسيط كأنّ أصوات من إيغالهنّ بن *** أواخر الميس إنقاض الفراريج على أنّ الظرف قد فصل بين المتضايقين لضرورة الشعر، والأصل: كأنّ أصوات أواخر الميس. ومن للتعليل. والإيغال: الإبعاد، يقال أوغل في الأرض: إذا أبعد فيها. والضمير للإبل. والأواخر: جمع آخرة الرحل، بوزن فاعلة، وهو العود الذي في آخر الرحل يستند إليه الراكب. والميس: بفتح الميم: شجرٌ يتخذ منه الرحال والأقتاب. وإضافة الأواخر إليه كإضافة خاتم فضّة. والإنقاض مصدر أنقضت الدجاجة: إذا صوّتت، وهو بالنون والقاف والضاد المعجمة. والفراريج: جمع فرّوج، وهي صغار الدّجاج. يريد أنّ رحالهم جديدةٌ، وقد طال سيرهم فبعض الرحل يحكّ بعضاً، فيحصل مثل أصوات الفراريج من اضطراب الرّحال، لشدة السير. وهذا البيت من قصيدة لذي الرمّة تقدم الكلام عليه في الشاهد التاسع والستين بعد المائتين. وأنشد بعده: وهو
|